فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبْزَى أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي النِّسَاءِ {وَمَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَالَّتِي فِي الْفُرْقَانِ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} إِلَى {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [25: 68، 69]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الْإِسْلَامِ وَعَلِمَ شَرَائِعَهُ وَأَمْرَهُ ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَلَا تَوْبَةَ لَهُ، وَأَمَّا الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ فَإِنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللهِ، أَيْ: أَشْرَكْنَا- وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَمَا يَنْفَعُنَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: إِلَّا مَنْ تَابَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ آيَةَ النِّسَاءِ نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ الْفَرْقَانِ بِسَنَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِثَمَانِي سِنِينَ وَهَذِهِ أَقْرَبُ، فَإِنَّ سُورَةَ الْفُرْقَانِ مَكِّيَّةٌ حَتْمًا، وَسُورَةَ النِّسَاءِ مَدَنِيَّةٌ نَزَلَ أَكْثَرُهَا بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، وَهِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَمَا تَزْدَادُ إِلَّا شِدَّةً، وَعَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَوْبَةٌ.
وَقَدْ بَيَّنَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ الْفَرْقَ بَيْنَ قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُشْرِكِ مِنَ الشِّرْكِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْجَرَائِمِ، وَعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْقَتْلِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ فَرْقٌ وَاضِحٌ مَعْقُولٌ مَنْ وَجْهٍ وَغَيْرُ مَعْقُولٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى قَاعِدَتِنَا فِي حِكْمَةِ اللهِ فِي الْجَزَاءِ عَلَى الشِّرْكِ وَالذُّنُوبِ، وَعَلَى الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مِرَارًا كَثِيرَةً، وَهِيَ أَنَّ الْجَزَاءَ تَابِعٌ لِتَأْثِيرِ الِاعْتِقَادِ، وَالْعَمَلِ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ أَوْ تَدْسِيَتِهَا.
نَعَمْ، إِنَّ إِقْدَامَ الْمَرْءِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَعْرِفَةَ مَا عَظَّمَ اللهُ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ، وَمَا شَدَّدَ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى جَرِيمَةِ الْقَتْلِ، يَكَادُ يَكُونُ رِدَّةً عَنِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ أَوْلَى بِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ لَا يَزِنِّي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ إِلَخْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّوْبَةِ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ- فَإِنَّ الْقَتْلَ أَكْبَرُ إِثْمًا وَأَشَدُّ جُرْمًا مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْحَدِيثُ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِفَاعِلِهِ شُبْهَةُ عُذْرٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَحَكَمْنَا بِأَنَّ نَفْسَ الْقَاتِلِ قَدْ صَارَتْ بِالْقَتْلِ شَرَّ النُّفُوسِ وَأَشَدَّهَا رِجْسًا، وَأَبْعَدَهَا عَنْ مُوجِبَاتِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْآيَةِ مِنَ اللَّعْنَةِ، فَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكُمَ بِأَنَّ صَلَاحَهَا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مُتَعَذِّرٌ وَلَا مُتَعَسِّرٌ.
أَمَّا شُبْهَةُ الْعُذْرِ أَوْ شَبَهُهُ فَقَدْ يَظْهَرُ فِيمَنْ كَانَ شَدِيدَ الْغَضَبِ حَدِيدَ الْمِزَاجِ، إِذَا رَأَى مِنْ خَصْمِهِ مَا يُثِيرُ غَضَبَهُ وَيُنْسِيهِ رَبَّهُ، فَقَدْ يَنْدَفِعُ إِلَى الْقَتْلِ لَا يَمْلِكُ فِيهِ نَفْسَهُ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَا يُعَدُّ مِنَ الْعَمْدِ أَوِ التَّعَمُّدِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْعَمْدِ لِمَا فِي صِيغَةِ التَّفَعُّلِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى التَّرَبُّصِ أَوِ التَّرَوِّي فِي الشَّيْءِ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الضَّرْبَ بِمَا لَا يَقْتُلُ فِي الْغَالِبِ إِذَا أَفْضَى إِلَى الْقَتْلِ لَا يُسَمَّى عَمْدًا بَلْ شِبْهَ عَمْدٍ كَالضَّرْبِ بِالْعَصَا، وَإِنَّمَا الْعَمْدُ مَا كَانَ بِمُحَدَّدٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَوْنِهِ بِقَتْلٍ كَبُنْدُقِ الرَّصَاصِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِآلَاتِهِ الْجَدِيدَةِ كَالْبُنْدُقِيَّةِ وَالْمُسَدَّسِ، وَاشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْقَتْلَ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلَيْهِ بِقَصْدِ الْإِرْهَابِ وَهُوَ يَنْوِي أَلَّا يُصِيبَهُ فَيُصِيبُهُ بِدُونَ قَصْدٍ، وَلَفْظُ التَّعَمُّدِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَعَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا قُلْنَا آنِفًا.
وَأَمَّا كَوْنُ الْقَاتِلِ قَدْ تَصْلُحُ نَفْسُهُ وَتَتَزَكَّى بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ فَهُوَ مَعْقُولٌ فِي نَفْسِهِ وَوَاقِعٌ وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ مَا وَرَدَ فِي التَّوْبَةِ، وَلَا نَعْرِفُ نَفْسًا غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلصَّلَاحِ، إِلَّا نَفْسَ مَنْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ وَرَانَ عَلَى قَلْبِهِ مَا كَانَ يَكْسِبُ مِنَ الْأَوْزَارِ، بِطُولِ الْمُمَارَسَةِ وَالتَّكْرَارِ، إِذْ يَأْلَفُ بِذَلِكَ الشَّرِّ وَيَأْنَسُ بِهِ حَتَّى لَا تَتَوَجَّهَ نَفْسُهُ إِلَى حَقِيقَةِ التَّوْبَةِ بِكَرَاهَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَمَقْتِهِ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ، لَا أَنَّهُ يَتُوبُ وَلَا يَقْبَلُ اللهُ تَوْبَتَهُ.
فَمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ جَرِيمَةُ الْقَتْلِ فَأَدْرَكَ عَقِبَهَا أَنَّهُ تَعَرَّضَ بِذَلِكَ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَاسْتَحَقَّ لَعْنَةَ اللهِ تَعَالَى وَالطَّرْدَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَبَاءَ بِغَضَبِهِ، وَتَهَوَّكَ فِي عَذَابِهِ الْعَظِيمِ، فَعَظُمَ عَلَيْهِ ذَنْبُهُ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ، فَنَدِمَ أَشُدَّ النَّدَمِ فَأَنَابَ وَاسْتَغْفَرَ، وَعَزَمَ عَلَى أَلَّا يَعُودَ إِلَى هَذَا الْحِنْثِ الْعَظِيمِ، وَلَا إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْأَوْزَارِ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْمُكَفِّرَاتِ، وَوَاظَبَ عَلَى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ إِلَى أَنْ أَدْرَكَهُ الْمَمَاتُ، وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَهُوَ وَلَا شَكَّ فِي مَحَلِّ الرَّجَاءِ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يُخَلِّدَ مِثْلَهُ فِي النَّارِ.
نَعَمْ إِنَّ أُمَرَاءَ الْجَوْرِ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ دِمَاءَ مَنْ يُخَالِفُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَزُعَمَاءَ السِّيَاسَةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مِنْ قَوَانِينِ جَمْعِيَّاتِهِمُ اغْتِيَالَ مَنْ يُعَارِضُهُمْ فِي سِيَاسَتِهِمْ، وَكُبَرَاءَ اللُّصُوصِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْمُؤْمِنَ وَغَيْرَ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ الْحَقِّ لِأَجْلِ التَّمَتُّعِ بِمَالِهِ، كُلَّ أُولَئِكَ الْفُجَّارِ، الَّذِينَ يَقْتُلُونَ مَعَ التَّعَمُّدِ وَسَبْقِ الْإِصْرَارِ، جَدِيرُونَ بِأَنْ يَنَالُوا الْجَزَاءَ الَّذِي تَوَعَّدَتْ بِهِ الْآيَةُ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَلَعْنَةِ اللهِ وَغَضَبِهِ وَعَذَابِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ كُنْهَهُ سِوَاهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعَدُّونَ فِي كُتُبِ تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ وَدَفَاتِرِ الْإِحْصَاءِ وَسِجِلَّاتِ الْحُكُومَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسُوا فِي الْحَقِيقَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَبِصِدْقِ كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ فِيمَا أَخْبَرَا بِهِ مِنْ وَعِيدِهِ عَلَى الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ، فَهُمْ لَا يُرَاقِبُونَ اللهَ فِي عَمَلٍ، وَلَا يَخَافُونَ عَذَابَهُ عَلَى ذَنْبٍ، وَقَلَّمَا يُوجَدُ فِيهِمْ مَنْ يَذْكُرُ التَّوْبَةَ بِقَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ، إِلَّا مَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ عَوَامَّ اللُّصُوصِ مِنْ حَرَكَةِ اللِّسَانِ بِبَعْضِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا يَعْقِلُونَ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا، وَمِنْهَا: أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَكْذِبُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ. اهـ.

.فوائد بلاغية:

.قال أبو حيان:

وتضمنت هذه الآيات من البلاغة والبيان والبديع أنواعًا.
التتميم في: ومن أصدق من الله حديثًا.
والاستفهام بمعنى الإنكار في: فما لكم في المنافقين، وفي: أتريدون أن تهدوا.
والطباق في: أن تهدوا من أضل الله.
والتجنيس المماثل في: لو تكفرون كما كفروا، وفي: بينكم وبينهم، وفي: أن يقاتلوكم أو يقاتلوا، وفي: أن يأمنوكم ويأمنوا، وفي: خطأ وخطأ.
والاستعارة في: بينكم وبينهم، وفي: حصرت صدورهم، وفي: فإن اعتزلوكم وألقوا إليكم السلم، وفي: سبيلًا وكلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم الآية.
والاعتراض في: ولو شاء الله لسلطهم.
والتكرار في مواضع.
والتقسيم في: ومن قتل إلى آخره.
والحذف في مواضع. اهـ.

.قال في صفوة التفاسير:

البلاغة:
تضمنت هذه الآيات من البلاغة والبيان والبديع أنواعا نوجزها فيما يلي:
1- الاستفهام بمعنى الإنكار في {فما لكم في المنافقين قئتين}؟ وفي {أتريدون ان تهدوا}؟.
2- الطباق في {أن تهدوا من أضل الله} وكذلك {القاعدون.. والمجاهدون}.
3- والجناس المغاير في {تكفرون كما كفروا} وفي {مغفرة.. وغفورا}.
4- الاطناب في {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم.. وفضل الله المجاهدين على القاعدين} وكذلك في {ان يقتل مؤمنا إلا خطا} {ومن قتل مؤمنا خطأ}.
5- الاستعارة في {إذا ضربتم في سبيل الله} استعار الضرب للسعي في قتال الأعداء، وهو من لطيف الاستعارة، وبديع علم البيان.
6- المجاز المرسل في {فتحرير رقبة} اطلق الجزء وأراد الكل، أي عتق عبد مملوك، أو آمة مملوكة.
الفوائد:
القتل العمد من أعظم الجرائم في نظر الاسلام، ولهذا كانت عاقبته في غاية التغليظ والتشديد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أعان على قتل مسلم مؤمن بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه أيس من رحمة الله» وفي الحديث أيضا: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن». ولهذا أفتى ابن عباس بعدم قبول توبة القاتل، أعاذنا الله من ذلك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وقوله: {متعمدًا}: حالٌ من فَاعِل {يقتل}، وروي عن الكَسَائِيّ سكون التَّاء؛ كأنه فَرَّ من تَوالِي الحَرَكات، و{خالدًا} نصْبٌ على الحَالِ من محْذُوف، وفيه تقديران:
أحدهما: «يجزاها خالدًا فيها» فإنْ شِئْتَ جَعَلْتَه حالًا من الضَّمِير المَنْصُوب أو المَرْفُوع.
والثاني: «جازاه»، بدليل {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} فعطفَ المَاضِي عليه، فعلى هذا هي حَالٌ من الضَّمِير المنصوب لا غيرُ، ولا يجُوزُ أن تكون حالًا من الهَاءِ في {جزاؤه} لوجهين:
أحدهما: أنه مُضَافٌ إليه، ومَجِيْ الحَالِ من المُضَاف إليه ضعِيفٌ أو مُمْتَنع.
والثاني: أنه يُؤدِّي إلى الفَصْلِ بين الحَالِ وصاحبها بأجْنَبِيٍّ، وهو خبرُ المبتدأ الذي هو {جهنم}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
أخرج ابن جريج وابن المنذر من طريق ابن جريج عن عكرمة «أن رجلًا من الأنصار قتل أخًا مقيس بن ضبابة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية فقبلها، ثم وثب على قاتل أخيه فقتله. قال ابن جريج، وقال غيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ديته على بني النجار، ثم بعث مقيسًا، وبعث معه رجلًا من بني فهر في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فاحتمل مقيس الفهري- وكان رجلًا شديدًا- فضرب به الأرض، ورضخ رأسه بين حجرين، ثم ألقى يتغنى:
قتلت به فهرا وحملت عقله ** سراة بني النجار أرباب قارع

فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أظنه قد أحدث حدثًا، أما والله لئن كان فعل لا أومنه في حل ولا حرم، ولا سلم ولا حرب، فقتل يوم الفتح. قال ابن جريج: وفيه نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا...} الآية»
.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} قال: «نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني، وذلك أنه أسلم وأخوه هشام بن ضبابة وكانا بالمدينة، فوجد مقيس أخاه هشامًا ذات يوم قتيلًا في الأنصار في بني النجار، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من قريش من بني فهر ومعه مقيس إلى بني النجار- ومنازلهم يومئذ بقباء- أن ادفعوا إلى مقيس قاتل أخيه إن علمتم ذلك، وإلا فادفعوا إليه الدية. فما جاءهم الرسول قالوا: السمع والطاعة لله وللرسول، والله ما نعلم له قاتلًا ولكن نؤدي إليه الدية، فدفعوا إلى مقيس مائة من الإبل دية أخيه، فلما انصرف مقيس والفهري راجعين من قباء إلى المدينة وبينهما ساعة، عمد مقيس إلى الفهري رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله، وارتد عن الإسلام وركب جملًا منها وساق معه البقية، ولحق بمكة وهو يقول: في شعر له:
قتلت به فهرًا وحملت عقله ** سراة بني النجار أرباب قارع

وأدركت ثأري واضطجعت موسدًا ** وكنت إلى الأوثان أول راجع

فنزلت فيه بعد قتل النفس وأخذ الدية، وارتد عن الإسلام ولحق بمكة كافرًا {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا}»
.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. مثله سواء.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني من طريق سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها؟ فقال: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء.